الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)
وقت الحج أشهر معلومات، وهي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. فمن أوجب الحج على نفسه فيهن بالإحرام، فيحرم عليه الجماع ومقدماته القولية والفعلية، ويحرم عليه الخروج عن طاعة الله تعالى بفعل المعاصي، والجدال في الحج الذي يؤدي إلى الغضب والكراهية. وما تفعلوا من خير يعلمه الله، فيجازي كلا على عمله. وخذوا لأنفسكم زادًا من الطعام والشراب لسفر الحج، وزادًا من صالح الأعمال للدار الآخرة، فإن خير الزاد تقوى الله، وخافوني يا أصحاب العقول السليمة.
(1/31)
________________________________________
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)
ليس عليكم حرج في أن تطلبوا رزقًا من ربكم بالربح من التجارة في أيام الحج. فإذا دفعتم بعد غروب الشمس راجعين من «عرفات» -وهي المكان الذي يقف فيه الحجاج يوم التاسع من ذي الحجة- فاذكروا الله بالتسبيح والتلبية والدعاء عند المشعر الحرام - «المزدلفة» -، واذكروا الله على الوجه الصحيح الذي هداكم إليه، ولقد كنتم من قبل هذا الهدى في ضلال لا تعرفون معه الحق.
(1/31)
________________________________________
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)
وليكن اندفاعكم من «عرفات» التي أفاض منها إبراهيم عليه السلام مخالفين بذلك من لا يقف بها من أهل الجاهلية، واسألوا الله أن يغفر لكم ذنوبكم. إن الله غفور لعباده المستغفرين التائبين، رحيم بهم.
(1/31)
________________________________________
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)
فإذا أتممتم عبادتكم، وفرغتم من أعمال الحج، فأكثروا من ذكر الله والثناء عليه، مثل ذكركم مفاخر آبائكم وأعظم من ذلك. فمن الناس فريق يجعل همه الدنيا فقط، فيدعو قائلا ربنا آتنا في الدنيا صحة، ومالا وأولادًا، وهؤلاء ليس لهم في الآخرة حظ ولا نصيب; لرغبتهم عنها وقَصْرِ هَمِّهم على الدنيا.
(1/31)
________________________________________
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
ومن الناس فريق مؤمن يقول في دعائه: ربنا آتنا في الدنيا عافية ورزقًا وعلمًا نافعًا، وعملا صالحًا، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا، وفي الآخرة الجنة، واصرف عنَّا عذاب النار. وهذا الدعاء من أجمع الأدعية، ولهذا كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في الصحيحين.
(1/31)
________________________________________
أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)
أولئك الداعون بهذا الدعاء لهم ثواب عظيم بسبب ما كسبوه من الأعمال الصالحة. والله سريع الحساب، مُحْصٍ أعمال عباده، ومجازيهم بها.
(1/31)
________________________________________
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)
واذكروا الله تسبيحًا وتكبيرًا في أيام قلائل، وهي أيام التشريق: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة. فمن أراد التعجل وخرج من «مِنى» قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر بعد رمي الجمار فلا ذنب عليه، ومن تأخر بأن بات بـ «مِنى» حتى يرمي الجمار في اليوم الثالث عشر فلا ذنب عليه، لمن اتقى الله في حجه. والتأخر أفضل; لأنه تزوُّد في العبادة واقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
(1/32)
________________________________________
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)
وبعض الناس من المنافقين يعجبك -أيها الرسول- كلامه الفصيح الذي يريد به حظًّا من حظوظ الدنيا لا الآخرة، ويحلف مستشهدًا بالله على ما في قلبه من محبة الإسلام، وفي هذا غاية الجرأة على الله، وهو شديد العداوة والخصومة للإسلام والمسلمين.
(1/32)
________________________________________
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)
وإذا خرج من عندك أيها الرسول، جَدَّ ونَشِط في الأرض ليفسد فيها، ويتلف زروع الناس، ويقتل ماشيتهم. والله لا يحب الفساد.
(1/32)
________________________________________
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)
وإذا نُصِح ذلك المنافق المفسد، وقيل له: اتق الله واحذر عقابه، وكُفَّ عن الفساد في الأرض، لم يقبل النصيحة، بل يحمله الكبر وحميَّة الجاهلية على مزيد من الآثام، فَحَسْبُه جهنم وكافيته عذابًا، ولبئس الفراش هي.
(1/32)
________________________________________
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)
وبعض الناس يبيع نفسه طلبًا لرضا الله عنه، بالجهاد في سبيله، والتزام طاعته. والله رءوف بالعباد، يرحم عباده المؤمنين رحمة واسعة في عاجلهم وآجلهم، فيجازبهم أحسن الجزاء.
(1/32)
________________________________________
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)
يا أيها الذين آمنوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا ورسولا وبالإسلام دينًا، ادخلوا في جميع شرائع الإسلام، عاملين بجميع أحكامه، ولا تتركوا منها شيئًا، ولا تتبعوا طرق الشيطان فيما يدعوكم إليه من المعاصي. إنه لكم عدو ظاهر العداوة فاحذروه.
(1/32)
________________________________________
فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)
فإن انحرفتم عن طريق الحق، من بعد ما جاءتكم الحجج الواضحة من القرآن والسنة، فاعلموا أن الله عزيز في ملكه لا يفوته شيء، حكيم في أمره ونهيه، يضع كل شيء في موضعه المناسب له.
(1/32)
________________________________________
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)
ما ينتظر هؤلاء المعاندون الكافرون بعد قيام الأدلة البينة إلا أن يأتيهم الله عز وجل على الوجه اللائق به سبحانه في ظُلَل من السحاب يوم القيامة; ليفصل بينهم بالقضاء العادل، وأن تأتي الملائكة، وحينئذ يقضي الله تعالى فيهم قضاءه. وإليه وحده ترجع أمور الخلائق جميعها.
(1/32)
________________________________________
سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)
سل -أيها الرسول- بني إسرائيل المعاندين لك: كم أعطيناهم من آيات واضحات في كتبهم تهديهم إلى الحق، فكفروا بها كلها، وأعرضوا عنها، وحَرَّفوها عن مواضعها. ومن يبدل نعمة الله -وهي دينه- ويكفر بها من بعد معرفتها، وقيام الحجة عليه بها، فإن الله تعالى شديد العقاب له.
(1/33)
________________________________________
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)
حُسِّن للذين جحدوا وحدانية الله الحياةُ الدنيا وما فيها من الشهوات والملذات، وهم يستهزئون بالمؤمنين. وهؤلاء الذين يخشون ربهم فوق جميع الكفار يوم القيامة; حيث يدخلهم الله أعلى درجات الجنة، وينزل الكافرين أسفل دركات النار. والله يرزق مَن يشاء مِن خلقه بغير حساب.
(1/33)
________________________________________
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
كان الناس جماعة واحدة، متفقين على الإيمان بالله ثم اختلفوا في دينهم، فبعث الله النبيين دعاة لدين الله، مبشرين مَن أطاع الله بالجنة، ومحذرين من كفر به وعصاه النار، وأنزل معهم الكتب السماوية بالحق الذي اشتملت عليه; ليحكموا بما فيها بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اخْتَلَف في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه ظلمًا وحسدًا إلا الذين أعطاهم الله التوراة، وعرفوا ما فيها من الحجج والأحكام، فوفَّق الله المؤمنين بفضله إلى تمييز الحق من الباطل، ومعرفة ما اختلفوا فيه. والله يوفِّق من يشاء من عباده إلى طريق مستقيم.
(1/33)
________________________________________
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)
بل أظننتم -أيها المؤمنون- أن تدخلوا الجنة، ولمَّا يصبكم من الابتلاء مثل ما أصاب المؤمنين الذين مضوا من قبلكم: من الفقر والأمراض والخوف والرعب، وزُلزلوا بأنواع المخاوف، حتى قال رسولهم والمؤمنون معه -على سبيل الاستعجال للنصر من الله تعالى-: متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب من المؤمنين.
(1/33)
________________________________________
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)
يسألك أصحابك -أيها النبي- أي شيء ينفقون من أصناف أموالهم تقربًا إلى الله تعالى، وعلى مَن ينفقون؟ قل لهم: أنفقوا أيَّ خير يتيسر لكم من أصناف المال الحلال الطيب، واجعلوا نفقتكم للوالدين، والأقربين من أهلكم وذوي أرحامكم، واليتامى الذين مات آباؤهم وهم دون سن البلوغ، والمحتاجين الذين لا يملكون ما يكفيهم ويسد حاجتهم، والمسافر المحتاج الذي بَعُدَ عن أهله وماله. وما تفعلوا من خير فإن الله تعالى به عليم.
(1/33)
________________________________________
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
فرض الله عليكم -أيها المؤمنون- قتال الكفار، والقتال مكروه لكم من جهة الطبع; لمشقته وكثرة مخاطره، وقد تكرهون شيئًا وهو في حقيقته خير لكم، وقد تحبون شيئًا لما فيه من الراحة أو اللذة العاجلة، وهو شر لكم. والله تعالى يعلم ما هو خير لكم، وأنتم لا تعلمون ذلك. فبادروا إلى الجهاد في سبيله.
(1/34)
________________________________________
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)
يسألك المشركون -أيها الرسول- عن الشهر الحرام: هل يحل فيه القتال؟ قل لهم: القتال في الشهر الحرام عظيم عند الله استحلاله وسفك الدماء فيه، ومَنْعكم الناس من دخول الإسلام بالتعذيب والتخويف، وجحودكم بالله وبرسوله وبدينه، ومَنْع المسلمين من دخول المسجد الحرام، وإخراج النبي والمهاجرين منه وهم أهله وأولياؤه، ذلك أكبر ذنبًا، وأعظم جرمًا عند الله من القتال في الشهر الحرام. والشرك الذي أنتم فيه أكبر وأشد من القتل في الشهر الحرام. وهؤلاء الكفار لم يرتدعوا عن جرائمهم، بل هم مستمرون عليها، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا تحقيق ذلك. ومن يطعهم منكم -أيها المسلمون- ويرتدد عن دينه فيمت على الكفر، فقد ذهب عمله في الدنيا والآخرة، وصار من الملازمين لنار جهنم لا يخرج منها أبدًا.
(1/34)
________________________________________
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
إن الذين صَدَّقوا بالله ورسوله وعملوا بشرعه والذين تركوا ديارهم، وجاهدوا في سبيل الله، أولئك يطمعون في فضل الله وثوابه. والله غفور لذنوب عباده المؤمنين، رحيم بهم رحمة واسعة.
(1/34)
________________________________________
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
يسألك المسلمون -أيها النبي- عن حكم تعاطي الخمر شربًا وبيعًا وشراءً، والخمر كل مسكر خامر العقل وغطاه مشروبًا كان أو مأكولا ويسألونك عن حكم القمار -وهو أَخْذُ المال أو إعطاؤه بالمقامرة وهي المغالبات التي فيها عوض من الطرفين-، قل لهم: في ذلك أضرار ومفاسد كثيرة في الدين والدنيا، والعقول والأموال، وفيهما منافع للناس من جهة كسب الأموال وغيرها، وإثمهما أكبر من نفعهما; إذ يصدَّان عن ذكر الله وعن الصلاة، ويوقعان العداوة والبغضاء بين الناس، ويتلفان المال. وكان هذا تمهيدًا لتحريمهما. ويسألونك عن القَدْر الذي ينفقونه من أموالهم تبرعًا وصدقة، قل لهم: أنفقوا القَدْر الذي يزيد على حاجتكم. مثل ذلك البيان الواضح يبيِّن الله لكم الآيات وأحكام الشريعة; لكي تتفكروا فيما ينفعكم في الدنيا والآخرة.
(1/34)
________________________________________
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
ويسألونك -أيها النبي- عن اليتامى الذين مات آباؤهم وهم دون سن البلوغ كيف يتصرفون معهم في معاشهم وأموالهم؟ قل لهم: إصلاحكم لهم خير، فافعلوا الأنفع لهم دائمًا، وإن تخالطوهم في سائر شؤون المعاش فهم إخوانكم في الدين. وعلى الأخ أن يرعى مصلحة أخيه. والله يعلم المضيع لأموال اليتامى من الحريص على إصلاحها. ولو شاء الله لضيَّق وشقَّ عليكم بتحريم الخالطة. إن الله عزيز في ملكه، حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه.
(1/35)
________________________________________
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
ولا تتزوجوا -أيها المسلمون- المشركات عابدات الأوثان، حتى يدخلن في الإسلام. واعلموا أن امرأة مملوكة لا مال لها ولا حسب، مؤمنةً بالله، خير من امرأة مشركة، وإن أعجبتكم المشركة الحرة. ولا تُزَوِّجوا نساءكم المؤمنات -إماء أو حرائر- للمشركين حتى يؤمنوا بالله ورسوله. واعلموا أن عبدًا مؤمنًا مع فقره، خير من مشرك. أولئك المتصفون بالشرك رجالا ونساءً يدعون كل مَن يعاشرهم إلى ما يؤدي به إلى النار، والله سبحانه يدعو عباده إلى دينه الحق المؤدي بهم إلى الجنة ومغفرة ذنوبهم بإذنه، ويبين آياته وأحكامه للناس; لكي يتذكروا، فيعتبروا.
(1/35)
________________________________________
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
ويسألونك عن الحيض -وهو الدم الذي يسيل من أرحام النساء جِبِلَّة في أوقات مخصوصة-، قل لهم -أيها النبي-: هو أذى مستقذر يضر من يَقْرَبُه، فاجتنبوا جماع النساء مدة الحيض حتى ينقطع الدم، فإذا انقطع الدم، واغتسلن، فجامعوهن في الموضع الذي أحلَّه الله لكم، وهو القبل لا الدبر. إن الله يحب عباده المكثرين من الاستغفار والتوبة، ويحب عباده المتطهرين الذين يبتعدون عن الفواحش والأقذار.
(1/35)
________________________________________
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
نساؤكم موضع زرع لكم، تضعون النطفة في أرحامهن، فَيَخْرج منها الأولاد بمشيئة الله، فجامعوهن في محل الجماع فقط، وهو القبل بأي كيفية شئتم، وقَدِّموا لأنفسكم أعمالا صالحة بمراعاة أوامر الله، وخافوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه للحساب يوم القيامة. وبشِّر المؤمنين -أيها النبي- بما يفرحهم ويسرُّهم من حسن الجزاء في الآخرة.
(1/35)
________________________________________
وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)
ولا تجعلوا -أيها المسلمون- حلفكم بالله مانعًا لكم من البر وصلة الرحم والتقوى والإصلاح بين الناس: بأن تُدْعَوا إلى فعل شيء منها، فتحتجوا بأنكم أقسمتم بالله ألا تفعلوه، بل على الحالف أن يعدل عن حلفه، ويفعل أعمال البر، ويكفر عن يمينه، ولا يعتاد ذلك. والله سميع لأقوالكم، عليم بجميع أحوالكم.
(1/35)
________________________________________
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
لا يعاقبكم الله بسبب أيمانكم التي تحلفونها بغير قصد، ولكن يعاقبكم بما قصدَتْه قلوبكم. والله غفور لمن تاب إليه، حليم بمن عصاه حيث لم يعاجله بالعقوبة.
(1/36)
________________________________________
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
للذين يحلفون بالله أن لا يجامعوا نساءهم، انتظار أربعة أشهر، فإن رجعوا قبل فوات الأشهر الأربعة، فإن الله غفور لما وقع منهم من الحلف بسبب رجوعهم، رحيم بهم.
(1/36)
________________________________________
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)
وإن عقدوا عزمهم على الطلاق، باستمرارهم في اليمين، وترك الجماع، فإن الله سميع لأقوالهم، عليم بمقاصدهم، وسيجازيهم على ذلك.
(1/36)
________________________________________
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
والمطلقات ذوات الحيض، يجب أن ينتظرن دون نكاح بعد الطلاق مدة ثلاثة أطهار أو ثلاث حيضات على سبيل العدة; ليتأكدن من فراغ الرحم من الحمل. ولا يجوز لهن تزوج رجل آخر في أثناء هذه العدة حتى تنتهي. ولا يحل لهن أن يخفين ما خلق الله في أرحامهن من الحمل أو الحيض، إن كانت المطلقات مؤمنات حقًا بالله واليوم الآخر. وأزواج المطلقات أحق بمراجعتهن في العدة. وينبغي أن يكون ذلك بقصد الإصلاح والخير، وليس بقصد الإضرار تعذيبًا لهن بتطويل العدة. وللنساء حقوق على الأزواج، مثل التي عليهن، على الوجه المعروف، وللرجال على النساء منزلة زائدة من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف والقِوامة على البيت وملك الطلاق. والله عزيز له العزة القاهرة، حكيم يضع كل شيء في موضعه المناسب.
(1/36)
________________________________________
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
الطلاق الذي تحصل به الرجعة مرتان، واحدة بعد الأخرى، فحكم الله بعد كل طلقة هو إمساك المرأة بالمعروف، وحسن العشرة بعد مراجعتها، أو تخلية سبيلها مع حسن معاملتها بأداء حقوقها، وألا يذكرها مطلقها بسوء. ولا يحل لكم -أيها الأزواج- أن تأخذوا شيئًا مما أعطيتموهن من المهر ونحوه، إلا أن يخاف الزوجان ألا يقوما بالحقوق الزوجية، فحينئذ يعرضان أمرهما على الأولياء، فإن خاف الأولياء عدم إقامة الزوجين حدود الله، فلا حرج على الزوجين فيما تدفعه المرأة للزوج مقابل طلاقها. تلك الأحكام هي حدود الله الفاصلة بين الحلال والحرام، فلا تتجاوزوها، ومن يتجاوز حدود الله تعالى فأولئك هم الظالمون أنفسهم بتعريضها لعذاب الله.
(1/36)
________________________________________
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
فإن طلَّق الرجل زوجته الطلقة الثالثة، فلا تحلُّ له إلا إذا تزوجت رجلا غيره زواجًا صحيحًا وجامعها فيه ويكون الزواج عن رغبة، لا بنية تحليل المرأة لزوجها الأول، فإن طلقها الزوج الآخر أو مات عنها وانقضت عدتها، فلا إثم على المرأة وزوجها الأول أن يتزوجا بعقد جديد، ومهر جديد، إن غلب على ظنهما أن يقيما أحكام الله التي شرعها للزوجين. وتلك أحكام الله المحددة يبينها لقوم يعلمون أحكامه وحدوده; لأنهم المنتفعون بها.
(1/36)
________________________________________
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
وإذا طَلَّقتم النساء فقاربن انتهاء عدتهن، فراجعوهن، ونيتكم القيام بحقوقهن على الوجه المستحسن شرعًا وعرفًا، أو اتركوهن حتى تنقضي عدتهن. واحذروا أن تكون مراجعتهن بقصد الإضرار بهن لأجل الاعتداء على حقوقهن. ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه باستحقاقه العقوبة، ولا تتخذوا آيات الله وأحكامه لعبًا ولهوًا. واذكروا نعمة الله عليكم بالإسلام وتفصيل الأحكام. واذكروا ما أنزل الله عليكم من القرآن والسنة، واشكروا له سبحانه على هذه النعم الجليلة، يُذكِّركم الله بهذا، ويخوفكم من المخالفة، فخافوا الله وراقبوه، واعلموا أن الله عليم بكل شيء، لا يخفى عليه شيء، وسيجازي كلا بما يستحق.
(1/37)
________________________________________
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
واذا طلَّقتم نساءكم دون الثلاث وانتهت عدتهن من غير مراجعة لهن، فلا تضيقوا -أيها الأولياء- على المطلقات بمنعهن من العودة إلى أزواجهن بعقد جديد إذا أردن ذلك، وحدث التراضي شرعًا وعرفًا. ذلك يوعظ به من كان منكم صادق الإيمان بالله واليوم الآخر. إن تَرْكَ العضل وتمكين الأزواج من نكاح زوجاتهم أكثر نماء وطهارة لأعراضكم، وأعظم منفعة وثوابًا لكم. والله يعلم ما فيه صلاحكم وأنتم لا تعلمون ذلك.
(1/37)
________________________________________
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
وعلى الوالدات إرضاع أولادهن مدة سنتين كاملتين لمن أراد إتمام الرضاعة، ويجب على الآباء أن يكفُلوا للمرضعات المطلقات طعامهن وكسوتهن، على الوجه المستحسن شرعًا وعرفًا; لأن الله لا يكلف نفسًا إلا قدر طاقتها، ولا يحل للوالدين أن يجعلوا المولود وسيلة للمضارة بينهما، ويجب على الوارث عند موت الوالد مثل ما يجب على الوالد قبل موته من النفقة والكسوة. فإن أراد الوالدان فطام المولود قبل انتهاء السنتين فلا حرج عليهما إذا تراضيا وتشاورا في ذلك; ليصلا إلى ما فيه مصلحة المولود. وإن اتفق الوالدان على إرضاع المولود من مرضعة أخرى غير والدته فلا حرج عليهما، إذا سلَّم الوالد للأم حقَّها، وسلَّم للمرضعة أجرها بما يتعارفه الناس. وخافوا الله في جميع أحوالكم، واعلموا أن الله بما تعملون بصير، وسيجازيكم على ذلك.
(1/37)
________________________________________
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)
والذين يموتون منكم، ويتركون زوجات بعدهم، يجب عليهن الانتظار بأنفسهن مدة أربعة أشهر وعشرة أيام، لا يخرجن من منزل الزوجية، ولا يتزيَّنَّ، ولا يتزوجن، فإذا انتهت المدة المذكورة فلا إثم عليكم يا أولياء النساء فيما يفعلن في أنفسهن من الخروج، والتزين، والزواج على الوجه المقرر شرعًا. والله سبحانه وتعالى خبير بأعمالكم ظاهرها وباطنها، وسيجازيكم عليها.
(1/38)
________________________________________
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
ولا إثم عليكم -أيها الرجال- فيما تُلَمِّحون به مِن طلب الزواج بالنساء المتوفَّى عنهنَّ أزواجهن، أو المطلقات طلاقًا بائنًا في أثناء عدتهن، ولا ذنب عليكم أيضًا فيما أضمرتموه في أنفسكم من نية الزواج بهن بعد انتهاء عدتهن. علم الله أنكم ستذكرون النساء المعتدَّات، ولن تصبروا على السكوت عنهن، لضعفكم; لذلك أباح لكم أن تذكروهن تلميحًا أو إضمارًا في النفس، واحذروا أن تواعدوهن على النكاح سرًا بالزنى أو الاتفاق على الزواج في أثناء العدة، إلا أن تقولوا قولا يُفْهَم منه أن مثلها يُرْغَبُ فيها الأزواج، ولا تعزموا على عقد النكاح في زمان العدة حتى تنقضي مدتها. واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فخافوه، واعلموا أن الله غفور لمن تاب من ذنوبه، حليم على عباده لا يعجل عليهم بالعقوبة.
(1/38)
________________________________________
لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)
لا إثم عليكم -أيها الأزواج- إن طلقتم النساء بعد العقد عليهن، وقبل أن تجامعوهن، أو تحددوا مهرًا لهن، ومتِّعوهن بشيء ينتفعن به جبرًا لهن، ودفعًا لوحشة الطلاق، وإزالة للأحقاد. وهذه المتعة تجب بحسب حال الرجل المطلِّق: على الغني قَدْر سَعَة رزقه، وعلى الفقير قَدْر ما يملكه، متاعًا على الوجه المعروف شرعًا، وهو حق ثابت على الذين يحسنون إلى المطلقات وإلى أنفسهم بطاعة الله.
(1/38)
________________________________________
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)
وإن طلَّقتم النساء بعد العقد عليهن، ولم تجامعوهن، ولكنكم ألزمتم أنفسكم بمهر محدد لهن، فيجب عليكم أن تعطوهن نصف المهر المتفق عليه، إلا أنْ تُسامِح المطلقات، فيتركن نصف المهر المستحق لهن، أو يسمح الزوج بأن يترك للمطلقة المهر كله، وتسامحكم أيها الرجال والنساء أقرب إلى خشية الله وطاعته، ولا تنسوا -أيها الناس- الفضل والإحسان بينكم، وهو إعطاء ما ليس بواجب عليكم، والتسامح في الحقوق. إن الله بما تعملون بصير، يُرغِّبكم في المعروف، ويحثُّكم على الفضل.
(1/38)
________________________________________
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)
حافظوا -أيها المسلمون- على الصلوات الخمس المفروضة بالمداومة على أدائها في أوقاتها بشروطها وأركانها وواجباتها، وحافظوا على الصلاة المتوسطة بينها وهي صلاة العصر، وقوموا في صلاتكم مطيعين لله، خاشعين ذليلين.
(1/39)
________________________________________
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)
فإن خفتم من عدو لكم فصلوا صلاة الخوف ماشين، أو راكبين، على أي هيئة تستطيعونها ولو بالإيماء، أو إلى غير جهة القبلة، فإذا زال خوفكم فصلُّوا صلاة الأمن، واذكروا الله فيها، ولا تنقصوها عن هيئتها الأصلية، واشكروا له على ما علَّمكم من أمور العبادات والأحكام ما لم تكونوا على علم به.
(1/39)
________________________________________
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)
والأزواج الذين يموتون ويتركون زوجات بعدهم، فعليهم وصيةً لهنَّ: أن يُمَتَّعن سنه تامة من يوم الوفاة، بالسكنى في منزل الزوج من غير إخراج الورثة لهن مدة السنة; جبرًا لخاطر الزوجة، وبرًا بالمتوفَّى. فإن خرجت الزوجات باختيارهن قبل انقضاء السنة فلا إثم عليكم -أيها الورثة- في ذلك، ولا حرج على الزوجات فيما فعلن في أنفسهن من أمور مباحة. والله عزيز في ملكه، حكيم في أمره ونهيه. وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا) .
(1/39)
________________________________________
وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)
وللمطلقات متاع من كسوة ونفقة على الوجه المعروف المستحسن شرعًا، حقًا على الذين يخافون الله ويتقونه في أمره ونهيه.
(1/39)
________________________________________
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)
مثل ذلك البيان الواضح في أحكام الأولاد والنساء، يبيِّن الله لكم آياته وأحكامه في كل ما تحتاجونه في معاشكم ومعادكم; لكي تعقلوها وتعملوا بها.
(1/39)
________________________________________
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)
ألم تعلم -أيها الرسول- قصة الذين فرُّوا من أرضهم ومنازلهم، وهم ألوف كثيرة; خشية الموت من الطاعون أو القتال، فقال لهم الله: موتوا، فماتوا دفعة واحدة عقوبة على فرارهم من قدر الله، ثم أحياهم الله تعالى بعد مدة; ليستوفوا آجالهم، وليتعظوا ويتوبوا؟ إن الله لذو فضل عظيم على الناس بنعمه الكثيرة، ولكن أكثر الناس لا يشكرون فضل الله عليهم.
(1/39)
________________________________________
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)
وقاتلوا -أيها المسلمون- الكفار لنصرة دين الله، واعلموا أن الله سميع لأقوالكم، عليم بنيَّاتكم وأعمالكم.
(1/39)
________________________________________
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)
من ذا الذي ينفق في سبيل الله إنفاقًا حسنًا احتسابًا للأجر، فيضاعفه له أضعافا كثيرة لا تحصى من الثواب وحسن الجزاء؟ والله يقبض ويبسط، فأنفقوا ولا تبالوا; فإنه هو الرزاق، يُضيِّق على مَن يشاء من عباده في الرزق، ويوسعه على آخرين، له الحكمة البالغة في ذلك، وإليه وحده ترجعون بعد الموت، فيجازيكم على أعمالكم.
(1/39)
________________________________________
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)
ألم تعلم -أيها الرسول- قصة الأشراف والوجهاء من بني إسرائيل من بعد زمان موسى; حين طلبوا من نبيهم أن يولي عليهم ملكا، يجتمعون تحت قيادته، ويقاتلون أعداءهم في سبيل الله. قال لهم نبيهم: هل الأمر كما أتوقعه إنْ فُرِض عليكم القتال في سبيل الله أنكم لا تقاتلون; فإني أتوقع جبنكم وفراركم من القتال، قالوا مستنكرين توقع نبيهم: وأي مانع يمنعنا عن القتال في سبيل الله، وقد أَخْرَجَنَا عدوُّنا من ديارنا، وأبعدنا عن أولادنا بالقتل والأسر؟ فلما فرض الله عليهم القتال مع الملِك الذي عيَّنه لهم جَبُنوا وفرُّوا عن القتال، إلا قليلا منهم ثبتوا بفضل الله. والله عليم بالظالمين الناكثين عهودهم.
(1/40)
________________________________________
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)
وقال لهم نبيهم: إن الله قد أرسل إليكم طالوت مَلِكًا إجابة لطلبكم، يقودكم لقتال عدوكم كما طلبتم. قال كبراء بني إسرائيل: كيف يكون طالوت مَلِكًا علينا، وهو لا يستحق ذلك؟ لأنه ليس من سبط الملوك، ولا من بيت النبوة، ولم يُعْط كثرة في الأموال يستعين بها في ملكه، فنحن أحق بالملك منه; لأننا من سبط الملوك ومن بيت النبوة. قال لهم نبيهم: إن الله اختاره عليكم وهو سبحانه أعلم بأمور عباده، وزاده سَعَة في العلم وقوة في الجسم ليجاهد العدو. والله مالك الملك يعطي ملكه مَن يشاء من عباده، والله واسع الفضل والعطاء، عليم بحقائق الأمور، لا يخفى عليه شيء.
(1/40)
________________________________________
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)
وقال لهم نبيهم: إن علامة ملكه أن يأتيكم الصندوق الذي فيه التوراة -وكان أعداؤهم قد انتزعوه منهم- فيه طمأنينة من ربكم تثبت قلوب المخلصين، وفيه بقية من بعض أشياء تركها آل موسى وآل هارون، مثل العصا وفُتات الألواح تحمله الملائكة. إن في ذلك لأعظم برهان لكم على اختيار طالوت ملكًا عليكم بأمر الله، إن كنتم مصدقين بالله ورسله.
(1/40)
________________________________________